عين على سوريا

الشرع في مواجهة الدولة: كيف يعيد سوريا إلى مسرح للتوحش!

لا توجد تعليقات

جميل نهرا 

2025/07/22

يرمي الشرع بأقوى أوراقه: إما أنا، أو داعش.
يفتح المعابر لأبناء الداخل السوري السنّي، يمدّهم بالأسلحة والصواريخ، ويوفّر لهم نقاط استراحة في طريقهم إلى السويداء، مستندًا إلى دعم إقليمي واضح، وإسناد تركي وخليجي معلن. الشرع لا يسعى للإصلاح، لا يهمه التغير، ولا يعنيه ما تبقّى من وطن منهك. يريد البقاء في السلطة، تنفيذ رغبات القوى الإقليمية، وشرطي الكوكب: أمريكا.

وكأنّ شيئًا لم يكن: لا مجازر في الساحل، ولا جرائم موثّقة في السويداء، ولا صواريخ سقطت فوق رؤوس المدنيين. وكأنّ ما مضى لا يُحاسب عليه أحد.
في سوريا اليوم، يعاد تمثيل مشهد مألوف بأوجه جديدة: تطييف سُنّي للتشكيلات الأمنية والعسكرية، يحاكي، بل يُعيد إنتاج، نموذج الحكم الأسدي القديم الذي اعتمد على “الموثوقين” من أبناء الجماعة العلوية في بنيته الأمنية. لقد برع الأسد الأب في بناء جهاز أمني طائفي محكم، يسيطر على مفاصل الدولة، ويُغري الخارج بأن “الاستقرار” يتحقق من خلاله فقط.

وشروط دولة الشرع تسير على نفس المنوال: تبدأ بقتل الدولة، وتُكمل ببعث الغرائز، وبثّ روح الفزعات وهيجان العشائر.

ما مضى لا يُحاسب عليه أحد، والمطلوب هو أولًا سحق ما تبقّى من المدنية والإنسانية والوطنية، لصالح دولة ترفع شعار “الله أكبر” فوق رايات الذبح، وخطابات التكفير، وفتاوى الموت الجماعي. دولة تتحكم بها الأرتال، والطبول، ووجوه الأمراء والشيوخ الصفراء المسعورة.
دولة للزعران والشبيحة، لا دولة السوريين.

الشرع، وعلى خلاف بشار وأبيه، يحظى بشعبية واسعة في أوساط الشارع السنّي، وهذا يجعله أخطر. وتأتي أصوات الدفاع عنه حتى من مهاجرين سوريين في أوروبا وأمريكا، منهم من يشكّل جيشًا إلكترونيًا ينشر التهديدات، ويملأ التعليقات بوجوه ضاحكة تحت مشاهد القتل والسحل. بل ويُضخِّم حملات أهل السويداء للدفاع عن منازلهم، طالبًا منهم أن يمددوا الرقاب أمام سكين الجلاد بصمت.

مقاطع القتل العشوائي من السويداء، حيث يستعرض القتلة جرائمهم ببرودة أعصاب واستخفاف مذهل، لا تقتصر على كونها مروعة فقط، بل تؤكد لنا أن لا نهاية لهذه الوحشية، أما المقارنة بينها وبين وحشية جرائم نظام الأسد، فهي مصيبة أعظم، مظلومية تفتح الباب إلى شعبوية رخيصة تؤسس لمرحلة جديدة من الحكم الغرائزي، تغلب فيه العصبية على القانون، والفزعة على الحكمة، ووهم القوة على أي مشروع وطني حقيقي.

الوجه الآخر لدولة الشرع هو مصير عشرات الآلاف من المسلحين الغاضبين، الذين لا أفق سياسي لهم، ولا خطة اقتصادية، كما كان حال جيش صدام حسين بعد حربه مع إيران. ذلك الجيش الذي دُفع إلى غزو الكويت بحثًا عن تفريغ للطاقة البشرية، وأوهام تحقيق مكاسب اقتصادية، فانتهى العراق إلى خراب دائم.

ويبدو أن الطريق إلى شمال سوريا يُعبّد لسيناريو مشابه. ليس غزوًا اقتصاديًا، بل تفريغًا جديدًا للفوضى، نحو مناطق الأكراد أو أي جبهة جاهزة للاشتعال، تحت راية لا تحمل مشروعًا، بل تصرخ فقط: “ثأر”.

وفي ظل هذا الانفلات، يُعاد إنتاج صورة العشيرة كمصدر للخطر، وتُربط بالتطرّف والداعشية، رغم أن العشائر، كالشعيطات، كانوا من أولى ضحايا التنظيم، وقد ارتُكبت بحقهم مجازر، وسُبيت نساؤهم. إنها صناعة متعمّدة لتشويه الضحايا وإعادة انتاج الجلاد.

حكومة الشرع تغرق الوطنية السورية في محنة وراء أخرى، والاستقرار الذي يُراد له أن يكون العنوان العريض، يبدو اليوم أبعد منالا من أي وقت مضى.

الحكومة التي تقبل حرق أجيال الشباب في أفران الفصائل، وتشويه خطابهم وسلوكهم لصالح السلاح والشعارات الفارغة، هي الكاره الحقيقي للسُنّة، ولسوريا.

Tags: عربي ودولي

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

بين الماضي والحاضر: حافظ الأسد، بشار، والجولاني