عالم الاعمال

في العيد الوطني ”ديادا“ نفتح ملفّ التوترات السياسية بين كتالونيا ومدريد وتأثيرها المباشر على الاقتصاد في 2025

لا توجد تعليقات
  • التوترات السياسية بين كتالونيا ومدريد وتأثيرها الاقتصادي في عام 2025

7/9/2025

في 11 سبتمبر 1714 سقطت مدينة برشلونة بعد حصار طويل خلال حرب الخلافة الإسبانية، ما أنهى مقاومة كتالونيا وأدى إلى خسارة امتيازاتها التاريخية. تبع ذلك فرض مراسيم «نوفا بلانتا» التي ألغت مؤسسات الحكم الذاتي وفرضت قوانين قشتالة، إضافة إلى تحويل القشتالية إلى لغة رسمية في الإدارة. ما زال هذا التاريخ، المعروف باسم «ديادا»، رمزًا للهوية الكتالونية ومناسبة للمطالبة بالحقوق.

منذ عودة الديمقراطية قبل أكثر من أربعة عقود، تصاعدت مطالب كتالونيا بالحكم الذاتي أو الاستقلال. ذروة الأزمة كانت في أكتوبر 2017 حين أعلنت حكومة كتالونيا استقلالًا أحاديًا بعد استفتاء غير معترف به. ردّت مدريد بتفعيل المادة 155 من الدستور وتعليق الحكم الذاتي، ما أدى إلى انتقال نحو 3.000 شركة من الإقليم، وأظهر هشاشة الاقتصاد أمام الصدمات السياسية.

في عام 2025 ما زالت قضايا مثل الاستقلال الضريبي وتوزيع الموارد مثار خلاف. اقتصاد كتالونيا يمثل 18.8% من الناتج المحلي و16.5% من سكان إسبانيا، ويساهم بفائض مالي في الخزينة، ما يثير حساسية سياسية في المفاوضات مع مدريد، في التقرير التالي نستعرض ستة عناوين رئيسة ذات صلة بالصراع السياسي والاقتصادي بين كتالونيا ومدريد، وتداعيات حالية محتملة لهذا التوتر.

 

أولاً: التأثيرات الاقتصادية الرئيسية

أظهرت تقارير استثمارية لعام 2025 أن موقع إسبانيا تراجع في مؤشر ثقة الاستثمار الأجنبي العالمي إلى المرتبة الحادية عشرة بعد أن كان في المرتبة التاسعة. يعود ذلك إلى زيادة القيود التنظيمة وعدم اليقين السياسي، وهو ما انعكس مباشرة على حصة كتالونيا من الاستثمار الأجنبي المباشر التي انخفضت من 17.5% إلى 12.2%، في ظل توجه المستثمرين نحو مناطق أكثر استقراراً.

في أعقاب أزمة الاستفتاء عام 2017، نقلت شركات كبرى مثل CaixaBank وBanco Sabadell مقارها القانونية خارج كتالونيا، حيث بلغ عدد الشركات المغادرة نحو ثلاثة آلاف. لكن وفي يناير 2025 أعلنت مجموعة Banco Sabadell نيتها العودة إلى كتالونيا، لتكون أول عودة بارزة منذ 2017. وقد أشارت تقارير رويترز إلى أن هذه الخطوة تحمل أبعاداً سياسية، لكنها تعكس أيضاً قدراً من الاطمئنان النسبي تجاه الوضع الاقتصادي.

على صعيد آخر، أعلنت الحكومة الإسبانية في فبراير 2025 اتفاقاً مع حزب اليسار الجمهوري الكتالوني (ERC) يقضي بإلغاء ما يقارب 17.1 مليار يورو من ديون كتالونيا، أي ما يمثل 19.9% من إجمالي دين الإقليم و22% من ديون صندوق السيولة الإقليمي. وشملت الخطة أيضاً شطب حوالي 83 مليار يورو من ديون الأقاليم الأخرى، مع استفادة رئيسية لكل من كتالونيا والأندلس. وقد تمت المصادقة على القانون في سبتمبر 2025، إلا أن خبراء اقتصاديين حذروا من أن هذه الخطوة قد تُفسَّر كتشجيع للأقاليم على تراكم الديون، فضلاً عن كونها تحتاج إلى تعديلات تشريعية وتواجه معارضة من بعض الأقاليم ذات التوجه المحافظ.

في يوليو 2025 أقرّت حكومة بيدرو سانشيز سقفاً للإنفاق غير المالي يبلغ 195.35 مليار يورو، غير أن مشروع الموازنة تعثر في البرلمان بعد تصويت حزب «جونتس بير كتالونيا» ضد سقف العجز، مطالباً بمزيد من المرونة. هذا التعثر ساهم في تفاقم حالة عدم اليقين المالي، مع ما يترتب عليه من تأثيرات محتملة على التصنيف الائتماني لإسبانيا.

ثانياً: المفاوضات حول نموذج تمويل جديد

تطالب حكومة كتالونيا بنموذج تمويل مشابه لما تتمتع به أقاليم الباسك ونافارا، حيث تقوم بتحصيل الضرائب بشكل مباشر ثم تسدد «مساهمة تضامنية» إلى الدولة المركزية.

وفق تقرير تحليلي صادر عن مركز Funcas (SEFO)، فإن منح كتالونيا استقلالاً مالياً كاملاً من شأنه أن يكلف الميزانية المركزية لإسبانيا خسائر تقدر بـ22 مليار يورو سنوياً، إضافة إلى نفقات تشغيلية تقدر بـ2.1 مليار يورو. كما أشار التقرير إلى غياب الوضوح بشأن آليات تمويل الخدمات التي تقدمها الدولة مركزياً، وعلى رأسها الضمان الاجتماعي.

ثالثاً: النمو الاقتصادي والتوقعات المستقبلية

يمتاز الاقتصاد الكتالوني بتنوع قطاعاته:

تمثل الصناعات التحويلية 18.3% من القيمة المضافة.

تشكل الصادرات السلعية 35.7% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 26% من إجمالي الصادرات الإسبانية.

يبلغ الناتج المحلي للفرد 35,325 يورو، وهو أعلى بنسبة 14% من المتوسط الوطني.

أما على صعيد التوقعات:

يتوقع BBVA Research نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.6% في عام 2025، بعد تسجيل 3.2% في 2024، على أن يتراجع النمو إلى 1.5% في 2026.

تقديرات CaixaBank Research تشير إلى نمو قدره 2.5% في عام 2025.

ورغم هذه التوقعات الإيجابية نسبياً، يحذر خبراء اقتصاديون من أن استمرار التوترات السياسية، إضافة إلى إمكانية نشوء أزمات تجارية دولية، قد يضع قيوداً على وتيرة النمو.

رابعاً: ثقة المستثمرين ومخاطر العزلة

تؤثر التوترات السياسية سلباً على ثقة المستثمرين، حيث ينظر بعضهم إلى إسبانيا ككل بعين الحذر، ما يؤدي إلى رفع نسبة الفائدة على السندات السيادية وزيادة كلفة الاقتراض. كما أن استمرار التركيز على القضايا الانفصالية قد يحد من قدرة كتالونيا على جذب استثمارات استراتيجية في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والصناعة.

خامساً: الاندماج الاجتماعي

تستقبل كتالونيا نسباً مرتفعة من المهاجرين الذين يشكلون عنصراً أساسياً في سوق العمل والنمو الاقتصادي. ومع ذلك، قد تؤدي التوترات السياسية إلى إضعاف جهود دمجهم الاجتماعي، إضافة إلى زيادة الضغوط على سوق الإسكان والبنية التحتية والخدمات العامة، والتي تعاني من سياحة مفرطة تضغط على سوق الاسكان سلبا.

سادساً: حلول مطروحة وتوصيات مستقبلية

1. الحوار والإصلاح السياسي: ضرورة إطلاق مسار تفاوضي بنّاء بين الحكومة المركزية والحكومة الكتالونية يضمن التوازن بين الحكم الذاتي والتضامن الوطني.

2. إطار قانوني واضح: إدخال تعديلات تشريعية تضمن وضوح صلاحيات الأقاليم والتزاماتها المالية، بما في ذلك تحديد آليات دفع «المساهمة التضامنية».

3. تنويع الاقتصاد: تعزيز الاستثمارات في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية مثل الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا الخضراء، للحد من تأثير التوترات السياسية.

4. التعاون الأوروبي: توسيع نطاق الشراكات داخل الاتحاد الأوروبي لمواجهة المخاطر التجارية الدولية وتأمين أسواق بديلة.

تشكل التوترات السياسية بين كتالونيا ومدريد عاملاً محورياً لعدم الاستقرار الاقتصادي في إسبانيا. فرغم أن كتالونيا تُظهر أداءً اقتصادياً قوياً وتحقق فائضاً تصديرياً، فإن غياب اتفاق واضح حول التمويل والديون يعرقل عملية الموازنة ويؤثر سلباً على ثقة المستثمرين.

إن تقوية الحوار السياسي ووضع إطار مالي عادل ومستدام يمثلان السبيل الأمثل لتقليل المخاطر وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي على المديين المتوسط والبعيد.

المصادر

  •  رويترزتقارير حول هجرة الشركات بعد أزمة الاستفتاء وعودة بنك Sabadell لاحقاً  .
  • CaixaBank Research – بيانات حول مشاركة كتالونيا في الناتج المحلي الإسباني ومؤشرات الاقتصاد   .
  • BBVA Research – توقعات نمو الاقتصاد الكتالوني لعام 2025 .
  • Scope Ratings – تحليل نقدي لخطة إعفاء الديون ودعوات إلى إصلاحات هيكلية .
  • Funcas SEFO – تقديرات لتكاليف نموذج التمويل الجديد وتداعيات الميزانية  .
  • ARA وMundoAmerica – تقارير عن تأثير الرسوم الأمريكية وتراجع الاستثمار الأجنبي   .
  • La Moncloa – تفاصيل خطة الاستجابة التجارية بقيمة 14.1 مليار يورو  .
  • مصادر أخرىتغطية حول رفض الميزانية وتأثير التوترات على السياسات الوطنية .
Tags: شؤون كتالونية – آخر الأخبار والقوانين, عالم الاعمال

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.
You need to agree with the terms to proceed

خطة “كاتالونيا ليدرا” l تقرير مفصل عن الخطة والانتقادات الموجه إليها
الاستثمار والعقارات في كتالونيا: طفرة غير مسبوقة وتحديات مستقبلية