2025/08/08
تُعتبر مدينة برشلونة اليوم واحدة من أبرز المراكز التكنولوجية في أوروبا، تضم منظومة نشطة من الشركات الناشئة والتقنيات المتطورة. تحتضن المدينة أكثر من ألفي شركة ناشئة ومئات الشركات النامية، ما يجعلها أكبر بيئة للشركات الناشئة في جنوب أوروبا وخامس أكبر بيئة للنمو التقني في القارة. كما تجتذب برشلونة الكفاءات التقنية الدولية، وتستحوذ على النسبة الكبرى من الكوادر الرقمية في كتالونيا، إضافة إلى استضافة مراكز أبحاث تابعة لعمالقة التكنولوجيا مثل أمازون ومايكروسوفت.
دور الجامعات في تزويد المواهب التقنية
تلعب الجامعات الكبرى في برشلونة دورًا محوريًا في تخريج الكفاءات التقنية المؤهلة لسوق العمل. تقدم جامعة بوليتكنيك كتالونيا (UPC) برامج وحوافز لدعم الشركات الناشئة التي أسسها طلابها وخريجوها، فيما تميزت جامعة برشلونة (UB) بإطلاق برامج ماجستير متقدمة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية، بالشراكة مع مؤسسات دولية، لإعداد خبراء قادرين على الابتكار في الصناعات المستقبلية. وتدعم المدينة شبكة من الجامعات والمراكز البحثية التي تضمن تدفقًا مستمرًا للمواهب إلى السوق المحلية والعالمية.
تعتمد برشلونة على بيئة حاضنة محفزة لريادة الأعمال، مدعومة من القطاعين العام والخاص. أطلق مجلس المدينة عبر منصة “برشلونة أكتيفا” حاضنات متخصصة للمشاريع التقنية المتقدمة، توفر للشركات الناشئة مساحات عمل وخدمات فنية. كما تستضيف المدينة برامج تسريع دولية، ومبادرات تجمع بين الجامعات والهيئات الحكومية مثل “Barcelona Deep Tech Node” لدعم الشركات الناشئة ذات الأساس العلمي. ويسهم القطاع الخاص من خلال شبكات مثل “Tech Barcelona” في تعزيز هذا النظام البيئي المتكامل.
التحديات التي تواجه الشركات الناشئة
رغم النمو الكبير، تواجه الشركات الناشئة في برشلونة تحديات عدة، أهمها المنافسة على التمويل، إذ يرى عدد كبير من رواد الأعمال أن الحصول على استثمار يمثل العقبة الرئيسية أمام النمو. كما تشكل صعوبة الاحتفاظ بالمواهب المتميزة تحديًا متزايدًا مع المنافسة العالمية وارتفاع الرواتب في مراكز أخرى. وتضاف إلى ذلك التعقيدات التنظيمية والبيروقراطية التي تحد أحيانًا من سرعة التوسع.
ورغم تلك التحديات تزدهر في برشلونة عدة قطاعات تقنية، من أبرزها:
• الصحة الرقمية: تضم مئات الشركات التي تعتمد تقنيات الذكاء الاصطناعي في التشخيص والخدمات الصحية.
• التكنولوجيا المالية: توفر حلولًا رقمية مبتكرة في المدفوعات والاستثمار والخدمات المصرفية.
• الذكاء الاصطناعي: يحظى بدعم حكومي قوي، مع مشاريع كبرى مثل “مصنع الذكاء الاصطناعي” الذي يهدف لتطوير الحوسبة المتقدمة ودعم الأبحاث والتطبيقات المبتكرة.
برشلونة اليوم تعرض نفسها على أنها ليست مجرد مدينة سياحية أو مركز ثقافي، بل حاضنة للابتكار وريادة الأعمال الرقمية، بفضل مزيج من التعليم العالي المتقدم، والبنية التحتية المبتكرة، والدعم المؤسسي. ورغم التحديات المرتبطة بالتمويل والاحتفاظ بالكفاءات، فإن تنوع القطاعات وارتفاع مستوى الاستثمارات يضعانها في موقع قوي للاستمرار كمحور تكنولوجي أوروبي في السنوات القادمة. لكن يبقى السؤال: هل ستتمكن برشلونة من ترسيخ مكانتها في مستقبل التطوير العالمي، أم أنها ستظل جزءًا من قارة تواجه تراجعًا نسبيًا أمام عملاقين اقتصاديين كأمريكا والصين، في وقت تهتز فيه حدودها الشرقية تحت وطأة صراع عسكري يعيد رسم خرائط النفوذ والتفوق التكنولوجي؟
المصادر:
كتالونيا بالعربي– El País – La Vanguardia – El Nacional – Barcelona Activa – ACCIÓ – Mobile World Capital – CataloniaBio & HealthTech
