أعلنت حكومة كاتالونيا عن خطة طموحة اطلقت عليها اسم “كاتالونيا ليدرا” (Catalunya Lidera) “كتالونيا تقود” التي تمثل استراتيجية شاملة لإعادة تعريف النموذج الاقتصادي والمالي للاقليم. هذه الخطة، التي أُطلقت رسميًا في فبراير 2025 وشهدت تحديثات وإعادة تأكيد في أغسطس 2025، تهدف إلى تعبئة 18.5 مليار يورو على مدى خمس سنوات (2025-2030)، مما يجعلها واحدة من أكبر برامج الاستثمار العام في تاريخ كتالونيا هذا القرن.
تعتبر هذه الخطة فرصة ذهبية لاستعادة دور كتالونيا كمحرك اقتصادي رئيسي في إسبانيا وأوروبا، مع التركيز على النمو المستدام، الابتكار، والعدالة الاجتماعية. ووفقا لحكومة الحالية، ستوفر الخطة فرص عمل عالية الجودة، تعزز القدرة التنافسية، وتحمي البيئة، مما يعزز من رفاهية السكان ويقلل من الفجوات الاجتماعية.
الأهداف الرئيسية للخطة
تهدف خطة “كاتالونيا ليدرا” إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام وشامل، مع التركيز على خمسة أهداف وطنية رئيسية:
- التقدم الاقتصادي: تحسين الإنتاجية وسوق العمل من خلال الابتكار التكنولوجي وخلق فرص عمل عالية الجودة.
- التقدم الاجتماعي: ضمان توزيع عادل للفرص، مع الاستفادة من النمو الاقتصادي لتحسين الرفاهية الاجتماعية وحماية القوة الشرائية للعائلات.
- الانتقال البيئي: قيادة مكافحة تغير المناخ من خلال خفض الانبعاثات الكربونية وتعزيز الطاقات المتجددة.
- التماسك الإقليمي: ضمان تطور متوازن عبر جميع مناطق كاتالونيا من خلال تحسين الاتصال والمساواة الإقليمية.
- بناء التوافق: تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، مع مشاركة واسعة من المجتمع المدني والمؤسسات.
هذه الأهداف تجعل الخطة أداة لتعزيز استقلالية كاتالونيا المالية والاقتصادية، مع التركيز على نموذج تمويل فريد يعتمد على الشراكات والكفاءة، مما يساهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي لكتالونيا بنسبة تصل إلى 5.8% من إجمالي الناتج الحالي وفقا لرسميي الحكومة الكتالونية الحالية.
الإجراءات الرئيسية الخمسة
تنقسم الخطة إلى خمس محاور استراتيجية رئيسية، تشمل أكثر من 200 إجراء، مع توزيع التمويل كالتالي (من إجمالي 18.5 مليار يورو):
- البنية التحتية (35%، أي 6.5 مليار يورو): تركز على ضمان استقلالية المياه، الطاقة النظيفة، التنقل، الرقمنة الكاملة، وتطوير مناطق النشاط الاقتصادي. من الإجراءات البارزة: بناء محطات تحلية مياه جديدة (مثل تورديرا وفويكس) لتلبية 70% من الطلب على المياه، وتركيب 12 ألف ميغاوات من الطاقة المتجددة (5 آلاف ميغاوات رياح و7 آلاف شمسية) للوصول إلى 50% من الكهرباء المتجددة بحلول 2030. كما تشمل توسيع مطار برشلونة-إل برات وإكمال ممر البحر المتوسط.
- التحديث الإنتاجي (27%، أي 5 مليار يورو): تهدف إلى سياسة صناعية حديثة، تسريع الإزالة الكربونية، توسيع الأعمال، جذب الاستثمارات، وتطوير الاقتصاد الإقليمي. تشمل برنامج “الشركة الخضراء” لتحويل 50% من الشركات إلى نماذج خضراء، ودعم 3 آلاف شركة ناشئة بحلول 2030، مع 25% في التكنولوجيا العميقة، بالإضافة إلى خطة للسيارات الكهربائية.
- المعرفة والابتكار (10%، أي 1.924 مليار يورو): تعزيز التدريب المهني، جعل الجامعات محركات للمعرفة، زيادة البحث والتطوير، وتحسين نقل المعرفة إلى الشركات. من الإجراءات: زيادة أماكن التدريب في مجالات STEM والطب، تطوير بنى تحتية مثل مركز الحوسبة الفائقة مارينوستروم 5، وبرنامج تحول تكنولوجي يستهدف 10 آلاف شركة.
- المساواة في الفرص (27%، أي 5 مليار يورو): تعزيز فرص العمل الجيدة، تحديث سياسات التوظيف، دعم السياسات العائلية، ضمان الوصول إلى السلع الأساسية، وإصلاح نظام الإسكان. تشمل إنشاء 50 ألف وحدة سكنية محمية بحلول 2030، وزيادة أماكن الحضانات العامة لتعليم الطفولة المبكرة العالمي.
- الحكم الرشيد (1%، أي 76 مليون يورو): ضمان التمويل العام المستدام، تبسيط الإجراءات الإدارية، استخدام المشتريات العامة للتحول الاقتصادي، وتطبيق البيانات والذكاء الاصطناعي في القطاع العام. يشمل إنشاء لجنة خبراء لتبسيط الإدارة وبرنامج Govtech للتحول الرقمي.
التمويل والجدول الزمني
سيتم تعبئة 18.5 مليار يورو من خلال مزيج من التمويل العام، الشراكات الخاصة، والأموال الأوروبية، مع إنشاء مشغل جديد يُدعى “LIDERA” لإدارة الاستثمارات. يغطي الجدول الزمني الفترة من 2025 إلى 2030، مع معالم رئيسية مثل تغطية 100% من البلديات بشبكة الألياف الضوئية بحلول 2025، وبناء محطات معالجة المياه بحلول 2028. هذا التمويل يمثل 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعكس التزام الحكومة بتعزيز الاستقلال المالي الفريد لكتالونيا.
التأثيرات المتوقعة والفوائد لكتالونيا
من المنظور الداعم للخطة ووفقا للحكومة الحالية في كتالونيا، ستساهم الخطة في نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.6% في 2025، مع خلق آلاف الوظائف عالية الجودة وتحسين الإنتاجية. ستعزز الابتكار في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، مما يجذب الاستثمارات الأجنبية ويقلل من الاعتماد على الطاقة الأحفورية. اجتماعيًا، ستقلل من الفجوات من خلال الإسكان الميسور والتعليم، مع التركيز على “الازدهار المشترك” لضمان استفادة جميع السكان. بيئيًا، ستساعد في تحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي للإزالة الكربونية، مما يجعل كتالونيا نموذجًا للتنمية المستدامة. في النهاية، تعزز الخطة من استقلالية كاتالونيا ودورها القيادي في إسبانيا، مما يفتح آفاقًا جديدة للنمو والرفاهية.
الانتقادات الموجهة لخطة “Catalunya Lidera”
لم تسلم خطة Catalunya Lidera من انتقادات بارزة منذ الإعلان عنها. أبرز هذه الانتقادات تتناول جوانب تتعلق بالرصانة التنفيذية والشفافية:
• عدم وضوح وأهداف غير قابلة للقياس، فالصحفي والاقتصادي ميكيل بويغ يرى أن الخطة تفتقر إلى تحديد أهداف واضحة وواقعية، حيث صرّح:”… لكي تكون الأهداف فعالة، يجب أن تكون ملموسة.” بمعنى آخر، حتى وإن نُسبت لها طموحات قيادية، يبقى المقياس العملي لهذه القيادة ضبابيًا وعدم وجود مؤشر واضح لقياس النجاح يُشكّل نقطة ضعف ملحوظة.
• بطء في التنفيذ العملي للمشاريع، فمن جانب قطاع المقاولين، تطالب Cámara de Contratistas de Obras de Cataluña الحكومة بتسريع وتيرة تنفيذ المشاريع المدرجة في الخطة. حيث لوحظ انخفاض في حجم المناقصات التي أطلقتها Generalitat بنسبة كبيرة، في حين أن هناك تحسنًا طفيفًا في الأداء الاستثماري العام، لكن لا يرقى إلى سرعة تنفيذ تعكس طبيعة الطموح الرسمي للخطة.
• إشكالات في الرعاية الإعلامية للحملة التعريفية بالخطة. واجهت حملة الترويج للمبادرة انتقادات قانونية ومؤسساتية، إذ أصدر مجلس السمعي البصري في كاتالونيا (CAC) تقريرًا أكد أن الحملة تجاوزت حدود ما يسمح به إطار الإعلان المؤسسي القانوني، مما دفع Generalitat إلى سحبها وتعديلها. هذا الأمر يسلط الضوء على الحساسيات المرتبطة بالخطاب الإعلامي حول المبادرات الحكومية الكبرى وإشكاليات الترويج الرسمي.
المصادر:
-
El País – El Govern retira la campaña institucional del plan Catalunya Lidera tras el informe del CAC
-
La Vanguardia – Los contratistas piden a la Generalitat que acelere la ejecución del plan Catalunya Lidera
-
Ara.cat – Catalunya Lidera, per Miquel Puig
-
Generalitat de Catalunya – Portal oficial لخطة Catalunya Lidera








